“ربما تكون الرحمة والتعاطف مجرد مشاعر رخوة، أوهام خلقتها خلايانا العصبية، المرآتية، لكن هل من المهم حقا من أين أتت؟ إنها تجعلنا بشرًا، بل لعلها ما يجعلنا نستحق البقاء”
بليك كراوتش مستمر في مسيرة لامعة من الخيال العلمي الصعب.
هذه المرة يتناول الجينات والتلاعب بالجينات لإضافة خصائص للإنسان ليست موجودة به من الأساس (تحسين). ومن الملاحظ جدًا أن كراوتش في هذه الرواية يستخدم العلم استخدامًا أكثف من استخدامه في الروايتين السابقتين: “المادة السوداء” و”استدعاء ذاتي”، ربما لأن الأساس العلمي هنا أمتن بعض الشيء إذا ما قورن بالأساس العلمي للروايتين الأخريين.
وكذلك زادت جرعة الوصف جدًا في الرواية، الطرق والطبيعة والأبنية وغيرها.
وفي الروايات الثلاثة العلاقات الأسرية وما يصاحبها من مشاعر هي المحركات الرئيسية للأحداث. وهو –كما أقول دائمًا- ماهر جدًا في غمر القارئ بالمشاعر، ربما من أكثر كتاب الخيال العلمي إجادة في ذلك.
“مريام رمزي” هي عالمة جينات تسببت بموت مائتي مليون إنسان بعد أن حاولت إجراء تعديلات جينية على محصول ما، ولم يتحمل العالم مثل هذه الكارثة فحُظرت الأبحاث التي تخص التعديل الجيني، وسُجن من عمل بها.
وتبدأ الرواية بابنها “لوجان رامزي” وهو على وشك القبض على أحد المتورطين في جريمة متعلقة بالجينات. فقد التحق بوكالة جي بي إيه التي تنحصر عملياتها في الجرائم الجينية، لتتطور الأحداث بعد ذلك، يحركها العلاقة المليئة بالشعور بالذنب للوجان بوالدته المنتحرة، وعلاقته أيضًا بزوجته وابنته.
“خطأ واحد تسبب في المجاعة الكبرى”
“التعديل الجيني جريمة فيدرالية”
تحمل الرواية عدة تساؤلات عميقة حول معنى أن تكون إنسانًا، وكيف تُشكّلنا الجينات، وثنائية العقل-العاطفة، وأيَهما يُحدد إنسانيتنا.
ملحوظة مهمّة وجميلة، صدرت الرواية بالإنجليزية في يوليو 2023 وصدرت الترجمة العربية أكتوبر 2023، أي فرق أربعة أشهر بين الإصدراين، وهو مجهود مشكور جدًا من دار المحروسة. الترجمة ذاتها جميلة لم نشعر فيها بصعوبة أو عدم سلاسة في قراءة الجمل.
في النهاية، إن أردت أن أرتب كتب كرواتش الثلاثة التي قرأتها من حيث أفضليتها بالنسبة إلي، ستكون كالآتي: المادة السوداء (2016)، تحسين (2023)، استدعاء ذاتي (2019)
كتب كراوتش الثلاثة التي قرأتها